بسم الله الرحمان الرحيم
وأفضلُ الصلاة وأتمّ التسليم على خير الخلائق أجمعين، محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة المؤبّدة على أعدائهم أجمعين، من الآن حتّى قيام يوم الدين.
مقدّمة البحث:
لقد أثيرتْ حول المذهب الشيعي الإمامي عدّة شُبُهات، وفي شتى الجوانب، تبدأ في نشأته واستمراريّته وأصول معتقداته وفقهه، وبعد غياب الإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بدأتْ الشُبُهات تطال الفقهاء ونوّاب الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وكان من جملة ما أثاره بعض علماء أهل السنة هي مسألة الزمن الذي نشأ فيه الشيعة، ممّا حدى بهم إلى إلصاق التُهم والتشنيعات المختلقة والوقيعة في هذا المذهب المضطهد.
وقبل الشروع في تحديد زمن نشوء التشيّع لابد أن نتعرّضَ بدايةً حول معنى التشيّع، وما الفترة الزمنيّة التي تم نشوء التشيّع فيه، وعلى يد مَن كانت أوّل بذرة لهذا المذهب؟ ونتعرّض من قريبٍ و بعيد حول أهم الأقوال في هذه المسألة، مع وقفة لكلّ قولٍ من هذه الأقوال، وإيضاح الحقّ من الباطل منها.
المحور الأول: ما هو معنى التشيّع؟!
التشيّع لغةً ترجع إلى مادة ( شيع )، ويقول الطُريحي صاحب مجمع البحرين فيها: "... والشيعة: الفرقة إذا اختلفوا في مذهب وطريقة ".
ويقول أيضاً: "الشيعة: الأتباع والأعوان والأنصار مأخوذ من الشياع ... ثم صارت الشيعة جماعةٌ مخصوصةٌ، والجمع شيع...".
وأما التشيّع اصطلاحاً: فهو الاعتقاد بآراء وأفكار معيّنة. وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي (عليه السلام) حتّى اختص بهم وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم.
ويقول في ذلك الشهرستاني في الملل والنحل ما يلي: " الشيعة هم الذين شايعوا علياً وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصايةً أما جليّاً وأما خفيّاً واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلمٍ يكون من غيره أو بتقيّةٍ من عنده".
وأضاف بعض علماء أهل السنة بعض المعتقدات الخاصة بالشيعة من قبيل عصمة الأئمة من الكبائر والصغائر والقول بالتولي و التبري قولاً وفعلاً إلا في حال التقيّة إذا خافوا بطش ظالم.
وأضاف الشهيد الثاني (ره) في كتابه شرح اللمعة: تقديم أمير المؤمنين على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة، فيدخل فيهم الإمامية و الجارودية من الزيدية والإسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحيّة.
أيّ أن دائرة التشيع أوسع من كونه شيعيّاً إماميّاً أو زيديّاً أو إسماعيليّاً أو غيرهم، فكلهم شيعة ومنتمون إلى أمير المؤمنينo إلا أنهم يختلفون في بعض المعتقدات ولا يؤمنون ببقيّة أئمة الشيعة الإمامية الإثني عشرية.
إضافة: فيما استعمله القرآن الكريم بلفظة شيعة ومشتقاتها.
ورد لفظ ( شيعة ) في القرآن الكريم مرة واحدة ، ولفظ ( شيعته ) ثلاث مرات ، ولفظ ( شيع ) ، جمع شيعة ، خمس مرات ، ولفظ ( أشياعكم ) مرة واحدة ، ولفظ ( بأشياعهم ) مرة واحدة . فيكون القرآن قد استعمل كلمة شيعة واشتقاقاتها المذكورة إحدى عشرة ومن خلال هذه الاستعمالات أبرز العناصر الأساسية لمعنى الكلمة لغة واصطلاحا " . وجاءت استعمالات القرآن الكريم لها بالمعنى الذي أراد تأكيدا على استقراره ، وعلى الوحدة بين المعنيين اللغوي والاصطلاح .
نذكر جملة من الآيات التي تناولت كلمة " شيعة " في القرآن الكريم:
1. قال تعالى: " ثمَّ لننزعنَّ من كل شيعة أشدّ على الرحمان عِتيّاً ". سورة مريم 69.
2. قال تعالى في قصّة نبيّ الله موسىo: "... فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته...". وهي الآية الواردة في سورة القصص 15، وهي تتحدّث عن النبي موسى oحينما رأى المشاجرة بين الرجلين، كان أحدهم من بني إسرائيل، وهي التي عبّرتْ عنه الآية (من شيعته) والآخر من أتباع فرعون.
ونلاحظُ بأنَّ الآية عبّرتْ (من شيعته) أي من شيعة موسى o، فلماذا هذا التعبير؟
لعلّه إشارة إلى أن المجتمع المصري آنذاك كان منقسماً إلى مجموعة كبيرة من الفرق والجماعات والشاهد على هذا الأمر ما أشار إليه القرآن عن فرعون: (وجعل أهلها شيعاً) فاستعمل القرآن الكريم كلمة شيعته للتعبير عن حال بني إسرائيل في مصر، فقد كانوا شيعة أو فرقة متميّزة عن الفرق الآخرى.
3. قوله تعالى: "... وإنَّ من شيعته لإبراهيم". التي وردتْ في سورة الصافات 83، ومن معاني هذه الآية المباركة أنَّ نوحاً (عليه السلام) كان يقود فرقةً أو جماعةً، وكانتْ هذه الجماعةُ متميّزة بفكرها وقيادتها وأمرها ورأيها من غيرها من فرق المجتمع الذي عايشه نوح (عليه السلام) وجماعته، وأن نبيَّ اللهِ إبراهيمَ (عليه وعلى نبيّنا وآلهما أفضل الصلاة والسلام) آمن بفكر هذه الجماعة المؤمنة ورأيها، وسار في خطِّها مما جعله امتداداً لنبيِّ اللهِ نوحِ (عليه السلام).
ومن خلال هذه الآيات وغيرها، نستفيد أن لفظة (شيعة) ومشتقاتها جاءتْ بمعنى الحزب أو الجماعة الواحدة التي تتفق فيما بينها في الأفكار والآراء.
وبعد هذا العرض الموجز عمّا ورد في توضيح معنى كلمة (شيعة)، ننتقل لنطرح تساؤلاً آخر، وهو محطُّ البحث، متى نشأ التشيّع؟ ولكي نُحدّدَ الزمن الذي نشأت فيه هذه الفرقة والجماعة لابد من الرجوع إلى التاريخ الإسلامي، وإلى أقوال أهل العلم في التاريخ، لكي نقتنص منهم ومن بين كلماتهم زمن نشوء التشيّع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق