بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين، الهُداة المهديين، الذين أذهبَ اللهُ عنهم الرجس في كتابه، وطهّرهم تطهيراً.
فقد طلب منِّي أحد الأخوة الأعزّاء بتناول بعض الأخطاء التي يقع فيها المصلِّي في صلاته، ونظراً إلى أهميّة هذه المسألة، وضرورتها في حياة المؤمن، نزلتُ عن طلبه، ودوّنتُ هذه السلسلة من الرسائل، وأسميتها (الأخطاء الشائعة في الصلاة).
وقبل الخوضِ في مسائل الصلاة وأحكامها، لابد من تقديم بعض المسائل في بحث قضاء الصلاة، وهي من المسائل المهمّة والتي ينبغي على المؤمن التوجّه إليها ومعرفتها، ومعرفة الحكم الشرعي المرتبط بها.
فنقول وعلى الله التوكّل وحده:
يجب على المكلّف قضاء ما فاته من الصلوات، سواء فاته بسبب تركه للصلاة عمداً أو سهواً أو غفلةً أو نسياناً، فلو تركها في هذه الصور المذكورة، وخرج وقتُ الصلاة ولم يأتِ بها وجبَ عليه قضاءها.
نذكر بعض الأمثلة على هذه الصور:
1- لو ترك الصلاةَ متعمّداً –كالمتهاون في أوقات الصلاة مثلاً أو من لا يهتمَّ بها أصلاً، وبعد ذلك تاب وأراد الرجوع عن فعله، والإتيان بالصلوات، فيجبُ عليه في هذه الصورة قضاء جميع الصلوات التي فاتته في فترة تهاونه.
2- لو سهى عن الصلاة، دخل وقت الصلاة ولكنّه لم يلتفت إلى مسألة دخول وقت الفريضة حتّى خرج الوقت، سواء كان سهواً أو غفلةً أو نسياناً-أي كان ملتفتاً إلى أن الوقت قد دخل وأخّرها ناوياً أدائها ولكن الوقت خرج، فيجب عليه القضاء خارج الوقت.
3- في بعض الأحيان يقوم المكلّف بالتفريق بين الصلاتين – الظهر والعصر مثلاً-فيُصلّي الظهر ويؤجّل العصر بنيّة أدائها لا تركها، فينسى أنّه لم يصلِّ العصر، ويتذّكر بعد فوات وقتها، فيجب عليه القضاء.
4- من ينام عن الصلاة وبعد أن يستيقظ يتذكر بأنّه لم يأتِ بالفريضة، فيجب عليه الإتيان بها.
وغيرها من الصور والأمثلة التي عادةً تحصل للمكلّف.
نصيحة:
من الأمور المهمّة في حياة الإنسان المؤمن أن يهتمَّ بأوقات الصلوات، ولا يُفرّط فيها ويؤخّرها عن وقتها، ويقضيها في خارج الوقت، فيكون مشمولاً للذم الوارد في الروايات الشريفة، التي تنهى عن تأخير الصلاة عن وقتها.
فقد ورد عن مولانا الإمام الصادق أنّه قال: قال رسول الله : من صلّى الصلاة لغيرِ وقتها رُفعت له سوداء مُظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك اللهُ كما ضيّعتني، وأوّلُ ما يُسألُ العبد إذا وقف بين يدي الله تعالى عن الصلاة، فإن زكت صلاته زكا سائر عمله، وإن لم تزكَ صلاته لم يزكَ عمله [1].
توضيح للحديث:
أيّ أنَّ العبد إذا ضيّع الصلاة ولم يصلّها في وقتها متعمّداً متساهلاً تتمثّل له الصلاة وهي مظلمة سوداء وتدعو على صاحبها بسبب تضييعه لوقت الصلاة، ثم يقول النبي: أنّ أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة هو الصلاة، فإذا قُبلت الصلاة وطهرت تُقبلُ سائر أعمال العبد، وأمّا لو لم تُقبل هذه الصلاة أو الصلوات فلا تُقبل سائر أعماله، فالآن نجد بعض الأشخاص يقوم بمساعدة المحتاجين والتصدّق وأعمال البر وصلة الأرحام وكل الأفعال الحسنة والتي يحبّها الله، ولكّنه لا يهتمّ بصلاته، فإذا لم يقبل الله تعالى صلاته لم يقبل منه سائر الأعمال الحسنة.
فمن هنا يتّضح أهميّة الصلاة والمحافظة على وقتها.
رواية آخرى عن مولانا الإمام الصادق أنّه قال: قال رسول الله: لا يزال الشيطان هائباً لابن آدم، ذعراً منه، ما صلّى الصلوات الخمس لوقتهنّ، فإذا ضيّعهنّ اجترأ عليه فأدخله في العظائم [2]
توضيح للحديث:
أي أنّّ الشيطان يكون هائباً – من الهيبة وهي الإجلال أو المخافة-ذعراً من ابن آدم، ما دام ابن آدم محافظاً على صلواته في وقتها، وأمّا إذا كان مضيّعاً للصلوات فيتمكّن الشيطان منه ويتجرأ عليه، ويكون فريسةً له ولوساوسه حتّى يوقعه في المحرّمات العظيمة. فأول خطوة للشيطان هي أن ينُسيك وقت الصلاة ويجعلك تتهاون فيها، من ثم يدخل إليك في حبائله.
نسأل الله أن يُعيننا على أنفسنا بما يُعين الصالحين على أنفسهم، وأن يجعلنا من المقيمين للصلاة والمحافظين عليها، وأن لا نكون طعماً لإبليس الرجيم، ولا نتبع خطوات الشيطان اللعين، إنّه هو السميع العليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هناك تعليق واحد:
إتماماً للفائدة أذكر جملة من الروايات الشريفة الواردة في هذا الباب، والمصدر هو وسائل الشيعة:
1- عن أبان بن تغلب قال : كنت صلّيت خلف أبي عبدالله ( عليه السلام ) بالمزدالفة ، فلمّا انصرف التفت إليّ فقال : يا أبان ، الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ وحافظ على مواقيتهنّ لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنّة ، ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقي الله ولا عهد له ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له .
2- عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : كلّ سهو في الصلاة يطرح منها ، غير أنّ الله يتّم بالنوافل ، إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة ، فإن قبلت قبل ما سواها ، إنّ الصلاة إذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة ، تقول : حفظتني حفظك الله ،وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول :ضيّعتني ضيّعك الله .
3- عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ : إنّ ملك الموت قال : إنّه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدرٍ ولا وبر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات .
فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصلاة ، فإن كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحّى عنه مَلك الموت إبليس .
4- قال الصادق ( عليه السلام ) : تعلّموا من الديك خمس خصال : محافظته على أوقات الصلوات ، والغيرة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة .
5- قال الصادق : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المسجد وفيه ناس من أصحابه فقال : تدرون ما قال ربّكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إنّ ربّكم يقول : إنّ هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلاّهنّ لوقتهنّ وحافظ عليهنّ لقيني يوم القيامة وله عندي عهد أدخله به الجنّة ، ومن لم يصلّهنّ لوقتهنّ ولم يحافظ عليهنّ فذاك إليّ ، إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له .
6- عن أبي عبدالله الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا ينال شفاعتي غداً من أخّر الصلاة المفروضة بعدوقتها .
7- عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : خصلتان من كانتا فيه وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب ، قيل : وما هما ؟ قال : الصلاة في مواقيتها والمواظبة عليها ، والمواساة .
8- عن جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) قال : امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة ، كيف محافظتهم عليها ؟ وعند أسرارهم ، كيف حفظهم لها عند عدوّنا ؟ وإلى أموالهم ، كيف مواساتهم لإخوانهم فيها ؟
9- عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) :أيّ الأعمال أحبّ إلى الله ؟ قال : الصلاة لوقتها ، قلت : ثمّ أيّ شيء ؟ قال : برّ الوالدين ، قلت : ثمّ أيّ شيء ؟ قال : الجهاد في سبيل الله .
10- عن علي ( عليه السلام ) ـ في حديث الأربعمائة ـ قال : ليس عمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من الصلاة ، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا ، فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقواماً فقال : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون )، يعني أنّهم غافلون ، استهانوا بأوقاتها ، اعلموا أنّ صالحي عدوّكم يرائي بعضهم بعضاً ، لكنّ الله لا يوفّقهم ولا يقبل إلاّ ما كان له خالصاً .
11- عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : أيّما مؤمن حافظ على صلاة الفريضة فصلاّها لوقتها فليس هو من الغافلين ، فإن قرأ فيها بمائة آية فهو من الذاكرين .
12- عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : هذه الفريضة من صلاّها لوقتها عارفاً بحقّها لا يؤثر عليها غيرها كتب له براءة لا يعذّبه ، ومن صلاّها لغير وقتها مؤثراً عليها غيرها فإنّ ذلك إليه إن شاء غفر له وإن شاه عذّبه .
إرسال تعليق