الأربعاء، مارس 09، 2011

صفات خليفة الله في أرضه... العدد (1)

7
أبو روح الله المنامي البحراني.
والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ خلق الله، محمّد بن عبدِ الله، وعلى آله آل الله، سيما بقيّة الله، وحجّته على عباد الله، ولعنة اللهِ على أعداء أولياء الله، والناصبين العداوة لنجباء الله.
إن مسألة الخلافة والخليفة تُعتبر من المسائل المهمّة في الفكر الإسلاميّ، حتّى عُدّت عند بعض المسلمين من أصول الدين، وعند البعض الآخر من الفروع.


وقد ذكر العلماء في أبحاثهم الكلاميّة تعريف الخليفة أو الإمام، وشؤونه وصفاته، واستمدّوا ذلك من النصوص الشريفة ما أمكنهم، ولكن لم تكن تلك المعالم واضحةٌ لمن كان يعيش في فترة الخلافة الأولى، أي في صدر الإسلام والصحابة والتابعين، ولهذا نرى التعثّر تارة والسقوط آخرى في توضيح من هو الخليفة الشرعي؟ وما هي صفاته؟ وما هي دائرة حدوده وصلاحياته؟ وغيرها ... وكل هذه التساؤلات يجدر البحث فيها والوقوف عليها.
بعد هذه المقدّمة القصيرة اتناول في هذه المقالة صفات الخليفة في القرآن الكريم، وهل أنّ القرآن الكريم تعرّض لهذه المسألة أو لا؟
صفات الخليفة في القرآن:
قال !: {وإذ قالَ ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة، قالوا أتجعلُ فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّحُ بحمدك ونقدّسُ لك} [1].
من خلال هذه المحاورة البسيطة التي جرت بين الله* وملائكته، نلاحظ أنّ الملائكة قد بيّنوا ما هي صفات هذا الخليفة، الذي سيكون خليفةً لله في أرضه، أو الصفات التي يجب أن تتوفّر في هذا الخليفة، وهذه الصفات:
1- أن لا يكون الخليفة مفسداً في الأرض.
2- أن لا يكون الخليفة سافكاً للدم الحرام وبدون حقّ.
3- أن يكون الخليفة مسبّحاً وحامداً لله.
فإنَّ الملائكة لمّا اطلعهم الله على إرادته، حصل عند الملائكة شيءٌ من الاستغراب، ولا نقول اعتراض، لأنّ الاعتراض لا يناسب شأن الملائكة الأجلاء، بل هو استغراب للإرادة، أتجعل فيها؟
وإنّ الملائكة يعلمون بأنّه من يريد أن يكون خليفة الله في الأرض، لابد أن يكون حائزاً على صفات معيّنة، والإنسان بما وصل لهم من علم مسبق فيه دوافع للفساد وسفك الدم الحرام، فجاء استغرابهم، أتجعلُ فيها من يُفسد فيها أوّلاً، ثم يسفك الدماء. في حين أنّنا – معاشر الملائكة-أفضل منهم، فنحن لا نفسد ولا نسفك الدم وإضافةً على ذلك، عبادتنا لك خالصة، فالمقارنة بين الملائكة والخليفة أن يكون حائزاً على هذه الصفات ليكون مؤهّلاً لهذا المقام (خلافة الله).
وإذا ما رجعنا إلى دستور المسلمين، لنتعرّف على ما ذكره القرآن الكريم حول الفساد والمفسدين، نقفُ جليّاً على معرفة الملائكة الدقيقة بمن يكون فعلاً مستحقّاً لهذا المقام السامي.
الفساد في القرآن الكريم:
(فَسَدَ) من الألفاظ البديهيّة في اللغة العربية، فلم نجد من معاجم اللغة من ذكر لها توضيحاً أو تعريفاً سوى مقابلته –أي مقابلة الفساد-للصلاح، فيقول الخليل بن أحمد الفراهيدي"الفَساد: نَقيضُ الصَّلاح ..."[2]. وكل من جاء بعده لم يزد على ما ذكره الفراهيدي في بيان المعنى.
وقد جاء بعض التوضيح لبيان مفردة الفساد، خصوصاً من خلال تتبّع الآيات المباركة التي ذكرتها والتّأمّل فيها، فيقول الفقيه العارف السبزواري ¥ في بيان معنى الفساد بحسب التتبّع أنّ الفسادَ: "خروج الشيء عن الاعتدال، وتغيّره عن سلامة الحال"[3].
وهي من الصفات المبغوضة ويسعى الإنسان السويّ الابتعاد عنها وعدم التلبّس بها بحالٍ من الأحوال.
ولهذه الصفة الرذيلة –الفساد-عدّة مراتب:
المرتبة الأولى: الفساد الشخصي الذي يكون فيما بينه وبين خالقه، كصفة الرياء والعُجب وغيرها من الصفات التي ترجع ضررها على فاعلها وحده، من دون ترتيب أثر على الآخرين.
المرتبة الثانية: الفساد بالنسبة إلى شخصٍ آخر مثله، كالسرقة مثلاً.
المرتبة الثالثة: الفساد بالنسبة إلى المجتمع بأكمله، كالخيانة وإشاعة الفاحشة في المجتمع، والكذب وغيرها من الصفات التي يكون ضررها ليس على الفرد أو على مجموعة بسيطة، بل يتعدّى ذلك إلى المجتمع بأسره.
أمّا ما ورد في القرآن الكريم حول الفساد والإفساد فهو كثيرٌ جداً، والهدف من بيانها وتوضيح المهم منها هو ما ذكرته الملائكة على لسانها فقالت: {أتجعلُ فيها من يُفسد فيها}، فنعلم بأنّ من أهمّ صفات الخليفة في هذه الأرض أن لا يكون مفسداً، من هنا نتتبّع مصاديق هذا الفساد والإفساد على ضوء ما جاء في القرآن الكريم، فإلى المصاديق:

المصداق الأوّل للفساد: النفاق.


الآية الأولى: {ومن النّاسِ من يقولُ آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين f يُخادعون اللهَ والّذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون f في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللهُ مرضاً ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون f وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون f ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [4].
في هذه الآية المباركة استعرض القرآن الكريم لنا أكثر من صفة ورذيلة أخلاقيّة، ومنها ينتج الفساد في الشخصيّة، فأوّلاً إضمارهم الكفرُ وإظهار الإيمان، وهو المسمّى بالنفاق، وهو من أشدِّ أنواع الإنكار والجحود وهذا الصنف الذي قال عنه!: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من الجحيم}.

والفرق بينهم وبين الكفر واضح؛ حيث أنّ الكافر يُظهر ما في باطنه من كفر وجحود وإنكار، بخلاف المنافق فهو يظهر الإيمان من أجل مصالح شخصية أو فئوية وما شابه ذلك، وقد ذكروا بأنّ المنافق أشدُّ خطراً على الإسلام والمسلمين من الكافر.
ثانياً: المُخادعة للمؤمنين، والوقوف بجانبهم على أنّهم من المؤمنين. في حين أنّ الله !يقول: {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}؛ أي أنّ هذه المخادعة قد تنطلي على المؤمنين ولكنّها لا تنطلي على الله العالمِ بحقائق الإيمان والقلوب، ظاهرها وباطنها.
ثالثاً: والتي هي نتيجة لهذه الرذائل الأخلاقيّة وهو الإفساد في الأرض، والتي فسّرها البعض بأنّها ارتكاب المعاصي، سواء كانت صغيرة أو كبيرة[5]، واللجاجة والعناد في ذلك، ويظهر هذا المعنى حينما تقول له: لا تفسد في الأرض فيُجيبك بأنّه لا يفسد وإنما هو مصلح!


فهل يكون خليفة الله في أرضه منافقاً؟ لا يؤمن بشرع الله ولا يُطبّقه، بل ويتمادى في نشره للفساد والعهر، وعندما تخاطبه يتبجّح بالإصلاح في الأرض وأنّه يريد مشروع الإصلاح!!


إلى حلقة الثانية من المقال.

[1] سورة البقرة الآية 30.
[2] كتاب العين: مادّة فَسَد.
[3] مواهب الرحمان في تفسير القرآن للفقيه العارف السيد عبد الأعلى السبزواري: ج1 ص126.
[4] سورة البقرة الآيات 8-12.
[5] مواهب الرحمان في تفسير القرآن: ج1 ص 127.

هناك تعليق واحد:

المـُـحـرِّر يقول...

ويمكننا تطبيق هذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمفسدين على الحكام الجائرين، ونعرف مدى الظلم الذي تعيش فيه الشعوب مع هذه الأنظمة الفاسدة. وإن ما يجري في شتى بقاع العالم العربي والإسلامي من ظلم واضطهاد للشعوب خير دليل على فساد هذه الأنظمة، ونجد أن القرآن قد رسم لنا معالم الدولة والخليفة في القرآن الكريم، ولكن بما أنّنا نركضنا وراء الدساتير الوضعية كيف وصل بنا الأمر إلى هذه الحالة!