الثلاثاء، مارس 29، 2011

أخطاء في الإعجاز العددي ... العدد 19 مثلاً



بقلم: أبو روح الله المنامي البحراني
مقدّمة المقال:

لقد تناول الكثير من الأشخاص مسألة الإعجاز العددي في القرآن الكريم، ونشروها في المنتديات والمواقع على أنّها إعجاز للقرآن الكريم بالإضافة إلى الفصاحة والبلاغة والسبك اللفظي الراقي، بالإضافة إلى إعجازه بذكر بغض المغيبات والأمور التي ستقع في المستقبل، أو المسائل العلميّة والصحيّة في القرآن الكريم.

وقد انتشر في الآونة الأخيرة بعض المقالات غير العلميّة، ولا يمكننا أن نجزم بنيّة الكُتّاب فقد يكون الدافع الذي أراده الكاتب بيان إعجاز القرآن الكريم فعلاً ولكنّه أخطأ في أمورٍ كثيرة، أو قد يكون الدافع للكاتب خداع البسطاء من المسلمين حتّى ينشروا هذه المعلومات من دون التحقّق منها، وبعد ذلك يقوم أعداء الإسلام ببيان بطلان هذه المعلومات، ممّا قد يسهم في تضعيف عقيدة المسلمين بالقرآن الكريم، فتارة ينشرون معلومات تقوّي عقيدة المسلمين وبعد ذلك يذكرون بأن هذه المعلومات خاطئة وليست بصحيحة، فتحصل حالة من الإهتزاز في عقيدة المسلمين ولو يسيراً.

وللأسف الشديد فإن هذه المعلومات التي يذكرونها لا تقوم على منهج علمي واضح، ولا منهج عقلي بيّن، ولا شرعي أصلاً. بل هو مجرّد اختيارات من بعض السور بعض الكلمات، وتأييدها بتكرار العدد مثله في موضع آخر، وهكذا. حتّى يثبت للآخرين بأنّ هناك خصوصيّة للعدد كذا في القرآن الكريم. ولو تأمّل المحقّق في هذه المعلومات لوجد أغلبها خاطئة.

ونُلاحظ من بعض الكُتّاب استعمال المغالطة في هذه المقالات، فيذكر في بداية كلامه أموراً بديهية في القرآن الكريم، أو معلومة ثابتة وصحيحة، وبعد ذلك يدسّ معلومات خاطئة، حتّى تلتبس على القارئ المسلم، فيأخذها القارئ كأصل مسلّم وصحيح ولا غبار عليه. وهذا ما سيجده القارئ في هذا المقال المختصر.

إليكم المقال...




ذكروا من روائع العدد 19 في القرآن الكريم ما يلي:

من روائع الرقم  19:
عدد سور القرآن 114 سورة، من مضاعفات الرقم 19، وقد تحدى الله تعالى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)، عدد كلمات هذه الآية  19، وعدد حروفها 76 من مضاعفات 19، وعدد الحروف الأبجدية التي تركبت منها هذه الآية هو 19، والمجموع هو 114 عدد سور القرآن!!!

نقول: لماذا تم اختيار هذه الآية (قل لئن اجتمعت الإنس ...) ولماذا ليس غيرها؟ فاختيارهم لهذه الآية لا يوجد فيه أي ترجيح عقلي أو شرعي، فإن قالوا لأنّها تبيّن التحدّي للقرآن الكريم، فهناك العديد من الآيات القرآنية وفيها التحدّي بإعجاز القرآن الكريم.

الأمر الآخر: قالوا بأنّ عدد كلمات الآية يساوي 19 كلمة، فنسأل: هل تقصدون من الكلمة الاسم والفعل والحرف ( وهو التقسيم الصحيح للكلمة) أو تريدون فقط الاسم والفعل؟!

فإن كان تريدون التقسيم الصحيح للكلمة فنقول إن محتوى الآية بلحاظ الكلمات أكثر من 19 كلمة، كيف؟

أولاً: (لئن) : فهي مركّبة من حرفين (اللام + إن).
ثانياً: حرف الواو في قوله (والجن) فهو حرف عطف مستقل وليس جزءاً من كلمة (الجن).
ثالثاً: (بمثل) فهي أيضاً مركّبة من حرف واسم ( الباء) حرف الجر والاسم (مثل).
رابعاً: (بمثله) وهي مركّبة من ثلاثة أجزاء (الباء) وهو حرف الجر، (مثل) وهو اسم، (الهاء) وهو ضمير يعود على القرآن. أي لا يأتون بمثل القرآن.
خامساً: (ولو) فهي أيضاً مركّبة من جزءين (الواو) وهو حرف عطف، (لو) وهو حرف.
سادساً: (بعضهم) مركّبة من جزءين (بعض) و (هم) ضمير الجمع للغائب.
سابعاً: (لبعض) هي أيضاً مركّبة من جزءين (اللام) وهو حرف جر، (بعض) وهو اسم.
تعالوا بنا نحسب كم كلمة في هذه الآية المباركة: نعم، إنها 28 كلمة وليس 19 كلمة.

وقالوا: وعدد حروفها 76 من مضاعفات 19.

هيّا لنحسب عدد الحروف لنرى هل هذا العدد صحيح أو خاطئ؟

قل
لئن
اجتمعت
الإنس
والجن
على
أن
يأتوا
2
3
6
5
5
3
2
5
بمثل
هذا
القرآن
لا يأتون
بمثله
ولو كان
بعضهم
لبعض
ظهيرا
4
3
5
7
5
6
5
4
5

فإن مجموع هذه الأحرف هي 75 وليس 76. فهو إذن ليس من مضاعفات 19.

وقالوا أيضاً: وعدد الحروف الأبجدية التي تركبت منها هذه الآية هو 19.

لنحسب الحروف الأبجدية الموجودة في هذه الآية المباركة لنرى صحة هذا الكلام.

(ق+ل+أ+ن+ج+ت+م+ع+س+و+ث+ه+ذ+ك+ب+ض+ر+ظ) = 18 حرفاً أبجديّاً وليس 19 حرفا.
فبنوا على هذه المقدّمات الباطلة نتيجة وهي أن مجموع هذه المعلومات يساوي 114 وهو من مضاعفات 19. فهو كلام باطل لأنه يتبع أخس المقدّمات –كما يقول المناطقة-.

فقد قالوا: عدد كلمات هذه الآية  19، وعدد حروفها 76 من مضاعفات 19، وعدد الحروف الأبجدية التي تركبت منها هذه الآية هو 19، والمجموع هو 114 عدد سور القرآن!!!

أي 19 + 76 + 19= 114 ، فهل هذا صحيح؟

نعم صحيح. ولكن تبيّن أن الأعداد ليس بصحيحة.

ننتقل إلى الرائعة الثانية لنرى صحّتها من فسادها.

قالوا: أول آية في القرآن هي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عدد حروفها هو 19 حرفاً، أول كلمة فيها هي (بسم) وقد تكررت في القرآن كله 134 مرة، وآخر كلمة فيها هي (الرحيم) وقد تكررت في القرآن كله 227 مرة، والمذهل أن مجموع تكرار أول كلمة وآخر كلمة في هذه الآية هو 361، وهذا العدد يساوي بالتمام والكمال 19×19.

تعليقي على هذا الكلام:

بدايةً لماذا اختاروا فقط (بسم) و(الرحيم) ما هو السبب في هذا الاختيار؟
فلماذا لم يأخذوا مثلاً (الله) أو (الرحمان)؟ أخي القارئ ... لا تنتظر الإجابة لأنك لن تجدها، ولو وجدت إجابة فهي تافهة مثل صاحبها.

أولاً: قالوا (أول آية في القرآن هي (بسم الله الرحمن الرحيم) وعدد حروفها 19 حرفاً).

أقول: هذا الكلام ليس بصحيح!! لماذا؟ لأمرين:

أولاً: كلمة (الرحمن) كُتبت في هذا المصحف بدون حرف، وهو حرف الألف، فالصحيح أن تُكتب (الرحمان)، ولتدليل على هذا الحرف المحذوف وضعوا علامة لهذا الحرف. فيكون فقط لهذه النقطة –وهي كلمة الرحمان بالصورة الصحيحة- خطأ في حساباتهم وما بنوا عليها.

ثانياً: يقول علماء اللغة العربية والصرف بأنّ التشديد الذي يرد على الكلمة هو في الحقيقة حرف ، وقد وضعوا الشدّة عليه لعملية الإدغام بين الحرفين الذي يكون أوّله ساكناً وثانيه متحرّك.

بعد هذين الأمرين نقول بأن عدد حروف البسملة أكثر من 19 حرفاً. فهو على الأمر الأول يكون 20 حرفاً، والأمر الثاني يكون 21 حرفاً. فإن التشديد ورد في ثلاثة مواضع ( الله) و (الرّحمن) و (الرّحيم).
وإذا قلنا بأنّ في الحقيقة هو حرفان فيكون المجموع 21 حرفاً لا 19 حرفاً.

فمثلاً: كلمة (هـزَّ) أصلها هزْزَ. وللتخفيف ادغموا الحرف الساكن الأول في الحرف المتحرك الثاني وعوّضوا بهذا الإدغام بالشدّة.

وقالوا: أول كلمة فيها هي (بسم) وقد تكررت في القرآن كله 134 مرة.

لم تتكرّر بهذا العدد، بل أقلُّ بكثير.

بيان ذلك: إن عدد البسملة في القرآن الكريم في مفتتحات السور هي 113 مرة، لأنّ سورة براءة لا يوجد فيها بسملة، وذُكرت البسملة كاملة في سورة النمل في قوله: (انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم)، وأيضاً وردت فقط (بسم) في سورة هود في قوله: (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ان ربي لغفور رحيم). فيكون المجموع هو 115 مرّة فقط.

وقالوا أيضاً: وآخر كلمة فيها هي (الرحيم) وقد تكررت في القرآن كله 227 مرة.

لنرى هل تكررت بهذا العدد؟

الجواب: لا. كيف ذلك؟! قلنا بأن عدد البسملة الكاملة الموجودة في القرآن الكريم هي 114 مرة بإضافة (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمان الرحيم). وأمّا عدد تكرّرها من دون البسملة فهي 31 مرّة فقط. فمجموعه يكون 145 مرّة. وأين هذا العدد من 227 مرّة ؟!

وبنوا على هذه المعلومات الخاطئة نتيجة وهي : والمذهل أن مجموع تكرار أول كلمة وآخر كلمة في هذه الآية هو 361، وهذا العدد يساوي بالتمام والكمال 19×19.

أقول: ما هو المذهل مع كون المعلومة أعلاه خاطئة؟ فهي مجرّد تخريفات وقضاء الوقت في أمور تافهة.

الرائعة الثالثة:

عدد حروف القاف في سورة (ق) هو 57 حرفاً، من مضاعفات 19، وعدد حروف القاف في سورة الشورى 57 حرفاً كذلك. مع ملاحظة أن كلتا السورتين في مقدمتهما نجد حرف القاف!!! ومجموع حروف القاف في كلتا السورتين هو 57+57=114 بعدد سور القرآن، وكلمة (قرآن) تبدأ بحرف القاف!

تعليقي:

نعم، إن عدد حروف حرف القاف في سورة (ق) هي 75 حرفاً ، وكذلك سورة الشورى، ولكن لماذا تم اختيار هذا الحرف وفي هاتين السورتين بالذات؟! طبعاً لا يوجد أي تبرير أو وجه علمي أو عقلي في هذا الإختيار.
ثم من قال بأن مقدّمة سورة الشورى تبدأ بحرف القاف؟ فهي تبدأ بـ (حم ).
ثم هناك سور بدأت بحرف القاف لماذا لم تذكر؟ مثل سورة الكافرون والتوحيد والمعوذتين وسورة الجن والمجادلة والمؤمنون. لماذا بالذات هاتين السورتين؟ لا ندري لعل اللبيب يدري.

الرائعة الرابعة:

عدد حروف الياء والسين في سورة (يس) التي هي قلب القرآن هو 285 حرفاً، من مضاعفات الرقم 19.

تعليقي:
214 مرة حرف الياء. و47 مرة حرف السين.
المجموع: 261 مرّة وليس 285 مرة. وهو ليس من مضاعفات الرقم 19.

الخلاصة:

لقد وقفنا على شيء يسيرٍ من هذه المعلومات المنتشرة في المواقع الإلكترونية، وإن بيان الحقائق من الأباطيل المدسوسة لن يغيّر عقيدتنا في القرآن الكريم، فهو الكتاب المعجز الذي تحدّى بُلغاء العرب وأهل الحجاز قاطبة على أن يأتوا بسورة مثله.

هناك تعليق واحد:

المهندس هادي الذهبي يقول...

بارك الله فيك شيخنا العزيز على هذا التتبع والنقد البناء وما أحب أن اشير اليه هنا أن وجود أخطاء وعدم اعتماد منهج علمي دقيق ومنطقي في مسألة الإعجاز العددي لايعطي مؤشراً لنفي الموضوع برمته بل يمكن أن نجد الكثير من التوافقات العددية في القرآن الكريم ولها مايؤيدها روائياً وفي هذا بيان لوجه مو وجوه الإعجاز القرآني وبالنسبة لعدد حروف آية التحدي فهي 76 لا كما قلت 75 لأنك إشتبهت في عدد حروف كلمة القرآن فهي 6 وليست 5 وكذلك عدد الحروف من غير تكرار فهي 19 وليست 18 لأن الهمزة على الكرسي تحسب ياءاً وكذلك فإن العد غالباً ما يعتمد الرسم العثماني وجزاك الله خيراً شيخنا الكريمونصر الله أهل البحرين المظلومين بحق محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
أخوك أبو مريم الذهبي