الاثنين، يناير 23، 2012

لا يحقن الدم إلا الدم!


سماحة الشيخ علي الكربابادي
مدينة قم المقدّسة

بعد أن زأر القائد الشجاع الذي أثبت أن قدمه راسخة منغرسة في تراب البحرين الغالي في عمق الأزمة لا سيما فترة السلامة الوطنية، بعد أن زأر أبو سامي: (من وجدتموه يعتدي على عرض فتاة مؤمنة فاسحقوه) آن لبعض الواضحات أن تجد لها من الأهمية مكانها المناسب لها، ويحق لنا الآن أن نقيم بعض الأمور بصراحة ووضوح أملا في دعم الحركة الثورية لا تضعيفها، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا.



قناعة متجددة
قناعة طالما تم التأكيد عليها وهي:

أولا: ثورة البحرين هي أم الثورات السلمية، وأن اختيار السلمية عن وعي وإرادة وتصميم، وأنها أنجع الطرق لنيل الحقوق، وأن السلمية محل إجماع البحرانيين قاطبة.

ثانيا: أن أحدا من شعب البحرين المطالب بالعدالة لم يخرج عن السلمية حتى اليوم، على رغم كل الآلام والجراح والتضحيات، وعلى رغم الاستباحة الشنيعة لكل الحرمات والمبادئ والقوانين والأنظمة. وحتى الشهيد فرحان& فإنه كان يمارس حقه في الدفاع عن أرضه المحتلة، نعم لقد كان في سترة، وهي أرضه وأرض آبائه وأجداده، وكان المحتلون الوافدون من صحاري تبوك وأبناء دير الزور والباكستانيون ومن ثم قوات الدرك الأردنية و... كانوا كلهم أجانب مسلحين في أرض ليست أرضهم، وبناء على هذا الحق المكفول في الدفاع عن النفس والوطن في القوانين والأنظمة الوضعية فضلا عن الشرعية يتعين على المرتزق بسيوني وجلاوزة النظام أن يخرسوا ولا يحكموا على أحد باستحقاق الإعدام، نعم أولئك القتلة والمحرضون على استجلاب قوات الغزو وانتهاك الأعراض هم من يستحقون العقاب، وشعب البحرين بعين الله: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم : 84].

ثالثا: تعلمنا من تاريخ الأمم والشعوب أن الدم لا يحقنه إلا الدم، وأن العرض لا يحفظه إلا الدم، وكما يقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يراق على جوانبه الـــدم
ولذلك قلنا:
آمن بالدم وقم رجلا             لتخط به خطا أحمر
وهذا لا يعني الخروج عن السلمية، نعم هكذا هي سلمية الإمام الحسينo، القائمة على النصح والموعظة حتى لأولئك الذين لا يرجى فيهم الاتعاظ، لأسباب لعل منها إقامة الحجة لتكون كلمة الله هي العليا، وقطع الأعذار يوم القيامة، وليكون آية من آيات الله ناطقة بالحجة على الخلق, وبعد كل ذلك حينما يتم التعدي وممارسة العنف النظامي، فإن مقتضى الدين والعقل هو أن نمسك يد العنف عن أن تستبيح وتعتدي وتقتل وتهدم المساجد وتنبش القبور وتعذب الأطباء وتمثل بخيرة المعلمين والأساتذة والعلماء.

رابعا: رسالة إلى الأحبة ممن يقول بأن زمن السلمية قد ولى، لاسيما في وسائل الإعلام العالمية، لا من أجل مخادعة العالم والإعلام، بل من أجل الحقيقة والواقع نقول: أنتم يا أحبتنا لم تخرجوا عن السلمية، فعالياتكم كلها فعاليات سلمية، من المسيرات والمظاهرات والمهرجانات وأطواق الكرامة وسهامها وحمل الشموع والاعتصام عند بيوت المعتقلين وبنك الكرامة وإمساك الأيدي الأثيمة القذرة عن أن تمارس العنف.
عتاب آخر إلى أحبة آخرين: لا ينبغي لنا أن نصنف إيقاف العنف في قائمة العنف، لماذا هذا التصنيف؟! لو كان حقا عنفا لما وجب عليكم إلا السكوت عما سكت الله عنه وحرمكم تستباح!! والحال أنه بحسب القوانين الأرضية والسماوية لا يعد إلا مساهمة في إيقاف العنف النظامي والبلطجي.

خامسا: بعد خطاب آية الله قاسم تجددت القناعة بأنه لا يمثله أحد في القناعات، وهو وحده من يمثل نفسه، نعم هناك أجلة كرام هم موضع ثقته واعتماده، بناء على ذلك فلسنا ملزمين بعد اليوم باسترضاء صحفي هنا أو إعلامي هناك في الواضحات من العقل والدين. على أننا لا نتمنى أن نقحم كبار شخصياتنا في توضيح الواضحات، فنحن محتاجون إلى هذه القامات وحريصون على حفظها من كل أذى من ذئاب هذا النظام الجائر.. لقد شخّص سماحته الحاجة لوضع النقاط على الحروف لا سيما مع المبالغة من مثلي وأمثال بعض أحبتي في تصنيف الحركة العفيفة الطاهرة الغيورة تحت مسمى العنف. وقال بصريح التاريخ والسلوك العملي: نحن دعاة سلم، ونحن دعاة إيقاف العنف.

سادسا: لابد لنا من إرسال رسائل تطمين إلى شركائنا في الوطن، لاسيما أبناء السنة المتآمر عالميا من أجل ترهيبهم من الحركة الحضارية والتي كان لهم الحضور الفاعل فيها، ولا زال شرفاؤهم يقبعون في السجن إلى هذا اليوم.

لكن ليس مقدّراً علينا أن نبعث رسائل تطمين للنظام المجرم، من الخطأ البالغ أن نبعث رسائل تطمين للنظام، ليس من قواعد الحرب أن نبعث رسالة تطمين للمحارب، نعم نحن محارَبون ومفروضة علينا حرب من طرف واحد، حرب عسكرية بجيوش أجنبية متعددة الجنسيات، حالنا كحال الفلسطينيين واللبنانيين و.. لا يوجد فرق بيننا وبينهم، وكما أخذتنا الحمية لفلسطين والإكبار لحماس على قلة ذات اليد مقابل التسلح الإسرائيلي الهائل، كذلك لابد أن نكبر البحرانيين على ما يتوفرون عليه من الإرادة والتصميم، وهما لوحدهما كافيان في الاتصاف بالواقعية فضلا عن تمكننا من إيقاف العنف شيئا ما.

في التسعينات ما كان رجال الشغب ليتجرؤوا على اقتحام القرى، بل كان الشباب يردونهم من عند مداخلها، ولكن – وأرجو المعذرة على الصراحة، وسأبقى أدعم الشرفاء كلهم من دون استثناء- رسائل التطمين الخاطئة للنظام كان لها دور في الاستهتار بالحرمات والأعراض، إلى الدرجة التي صاروا فيها يعتدون على الفتاة داخل بيتها، ويتحرشون بالأم أمام أطفالها، من قواعد العقل والقرآن – والتي لا تحتاج إلى معايشة كثير من الحيثيات والتفاصيل والوجود في أرض الوطن، والتي تستشرف في سلائق القادة وقد باحوا بها- أن الحرب لا تبعث فيها رسائل التطمين، بل تبعث فيها رسائل الاقتدار الواقعي وأننا أناس غيارى لا نرضى بممارسة العنف والانتهاك، وأن الأحكام الشرعية تابعة لموضوعاتها، فلا يعقل أن تتبدل الموضوعات تبدلا فظيعا وتبقى الأحكام كما كانت عليه في السابق.

الرهان على الاستقطاب رهان خاسر
بعد ما يقارب السنة، وبعد كون ثورة البحرين منقطعة النظير في إقامة الحجة وتوضيح الصورة، بل والإحسان إلى القتلة والمعتدين، وكون أهل البحرين وعلماء البحرين السابقين بلا منازع على مستوى دول الخليج وكمٍّ من الدول الأخرى في التأصيل إلى الوحدة، والتضحية من أجل الوحدة الإسلامية والوطنية، بعد كل ذلك يطل علينا العربي بلكنته العبرية ليقول بأن الملك قام بما لم يقم به حاكم عربي، وأنه بالغ في الإصلاح، وكأن شعب البحرين هو المعتدي وعليه أن يتوقف!! الخلاصة: هما قطبان، قطب الشر لا معنى لانجذابه إلى الخير، ولا أمل في إحراجه لأنه لا يمتلك المشاعر، ولا رجاء في ما يسمى بالمجتمع الدولي، ونحن نرى أن العالم مستعد لتقديم الأموال الطائلة والتبرع السخي من أجل محاكمة كيدية في لبنان أو غير لبنان.. نعم قبل أن ينفر العالم منا ومن سلميتنا الموهومة، وقبل أن يمعن في السخرية منا بعض القائمين ضد النظام السوري بأنهم حسينيون أكثر من الشيعة، كان لابد لأبي سامي أن يقول: فاسحقوه. وأكرم بك يا أبا سامي، ولك نقول: لبيك يا فقيه. ويسقط حمد.
27 صفر 1433هـ
21 يناير 2012م

ليست هناك تعليقات: