الخميس، أبريل 07، 2011

صفات الخليفة في القرآن الكريم العدد 2



بقلم: أبو روح الله المنامي البحراني.


تمهيد:


لقد تناولنا في مقالٍ سابق محاورة الله مع الملائكة الواردة في سورة البقرة الآية 31، وقد استفدنا من الآية المباركة ومن خلال كلام الملائكة وجود صفات لابد أن يتّصف بها خليفة الله في الأرض، فلا يكونُ مفسداً أوّلاً، ولا يسفك الدم الحرام إلا بالحقّ ثانياً، وإضافة على ذلك لابد أن يكون مسبّحاً ومقدّساً لله –أي يكون الخليفة عابداً لله ومطيعاً له-.

وقد ذكرنا في المقال المتقدّم آية واحد مصداق للفساد في الأرض، وهي الصفة التي يجب أن لا تكون في الخليفة، وهي صفة النفاق، وفي هذا المقال نتناول مصداق آخر من مصاديق الفساد في الأرض، وهو القتل الحرام ، وهو أيضاً أشارت إليه الآية المباركة: (أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدم ...)، وقد قيّدنا القتل بكونه الحرام، حيثُ أنَّ ذات القتل وأصله ليس بقبيح، فقد يكون القتل بحقٍّ أو بباطل، فأمير المؤمنين o في غزوة بدر الكبرى قد قتل ما يقارب نصف القتلى في هذه الغزوة، ولم يُعدَّ في نظر القرآن الكريم والنبي الأمين K مفسداً، بل هو مصلحٌ لأن تخليص الأرض من المفسدين هو في الحقيقة إصلاح وتطهير، وفي هذا المقال لن نتناول القتل بما هو قتل، بل سنركّز على صنف واحد، ألا وهو "قتل الأنبياء".


المصداق الثاني للفساد: قتل الأنبياء.

قال !: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أُنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدّقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} [1].

وهذه الآية المباركة تتحدّث عن اليهود، وهم الفئة المعروفة التي كانت تقتل الأنبياء، وأيُّ جُرمٍ أكبر من قتل الأنبياء ومن هم في خط الأنبياء، فإن الأنبياء يُعتبرون سُفراء الخالق إلى المخلوق من أجل هداية الخلق من خلال اتباع أوامر الأنبياء والتشريعات التي يأتي بها الأنبياء من قِبل الله !.

وبعد أن نعرف الدور الكبير الذي يمثّله الأنبياء وعملهم ووظيفتهم نقدّر حجم الجريمة التي يقوم بها قتلة الأنبياء، فهم –أي قتلة الأنبياء-يقتلون كلَّ من يمثّل الحق والعدالة، ويريدون أن يُطفئوا هذه الشمعة التي تُضيء الدرب للمخلوقين، ونعلمُ بأنَّ طريق الأنبياء q من أكثر الطرق شدّة حيث أنّهم يقفون تجاه الباطل والظلم الذي يُوقعه أصحاب الأموال والمناصب والزعامات تجاه المستضعفين من الناس.

ولو تأمّلنا قليلاً إلى سيرة الأنبياء q لوجدنا معاناة الأنبياء وأتباعهم من قِبل طواغيت زمانهم، فماذا فعل فرعون لبني إسرائيل من الظلم والعُدوان عليهم، واستباح دمائهم ونسائهم وتجبّر على عرشه حتّى ادّعى الربوبية فيهم، علوّاً واستكباراً.

النبي الأكرم K في مواجهة قريش:

وماذا حدث للنبي الأكرم K من قُريش والمشركين؟ حتّى أنّهم قالوا له: إذا كنتَ تُريد أن تكون ذو مالٍ وجاهٍ أعطيناك، وإذا أردتَ من نسائنا زوّجناك، ولكن نريدك أن تتخلّى عن دعوتك وتسفيهك لآلهتنا، فكان جوابه K: واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذه الدعوة لما فعلت.

فكانت دعوة النبي الأعظم K تسبّب لهم الخوف والأرق، وتزعزع مناصبهم ومكانتهم التي كانت في الجاهلية، ولهذا واجهوا النبي الأكرم K بشتّى المواجهات حتّى يترك الدعوة الإسلاميّة. فحاربوه واتهموه وحاولوا قتله حتّى ينتهي أمر الإسلام، ولكن كانت إرادة الله مهيمنة على إرادتهم.

الأئمة الأطهار q في مواجهة طواغيت عصرهم:

وبعد وفاته K تصدّوا لكل شخصٍ يمثّل خط الأنبياء وظلموه واعتدوا عليه حتّى يتسنّى لهم حرفِ الإسلام عن مقاصده، فسلبوا الإمام علي o حقّه الشرعي من الخلافة للمسلمين، وبعد ذلك أبناءه والأئمة واحداً تلو الآخر، وقتلوهم وشرّدوهم في أنحاء المعمورة، ما هو السبب في ذلك؟

لأنّهم يمثّلون خطِّ الأنبياء وتعاليمهم، فكان خلفاء الجور يترصّدون لهم في كل مكان، ويغتالون من يمكنهم الوصول إليه.

الإمام المهدي s بعد شهادة أبيه العسكريo:

لقد حاول الخليفة العبّاسي أن يمنع ولادة ابنٍ للإمام العسكري o، فهم يعلمون –بما وصل إليهم من أحاديث- أنّه الإمام الثاني عشر ، وهو المهدي الذي وردت فيه النصوص والأحاديث، وأنّه s سيقيم العدل والقسط في الأرض، فحاولوا أن يمنعوا ولادته، ولكن إرادة الله غالبة لإرادتهم، فوُلِد الإمام المهدي s، ولكنّ الإمام العسكري o استعمل جانب السرّيّة في ولادته وحفظه، وبعد شهادة الإمام العسكري o جاء دور الإمام المهدي s في تصدّيه للإمامة، وكان جلاوزة النظام يُشيع بعدم وجود أي خلف للعسكري o، في الحقيقة أنّهم لم يكونوا يعلموا بولادة المهديs، وإنما خرج المهدي عليهم حينما أراد جعفر –أخو الإمام العسكري- للصلاة على جثمان أخيه العسكري، ولكن جاءه المهدي s وقال له: "تنحّى يا عمّ فإنّي أولى بالصلاة على أبي"، وبهذه الكلمات صُعق جعفر واحتار، فمن أين خرج هذا الابن الصغير؟ ومن يكون؟ وما إن انتهى من الصلاة على جنازة الإمام حتّى مشى بين المصلّين واختفى عنهم، فحاول جلاوزة الخليفة أن يُمسكوا به لقتله ولكنّهم لم يتمكّنوا، فوقعت الغيبة الصغرى للإمام المهدي s.

المواجهة لنوّاب المهدي s والفقهاء:

وبعد غياب الإمام الثاني عشر s تتبّعوا نوّاب الإمام المنتظر s، فكانوا يتتبّعونهم من أجل القضاء عليهم في كل مكان، ولكنّ الإمام المهدي اتخذ الجانب السريّة التامّة في اللقاء بهم والتواصل معهم، حتّى عجزوا من الوصول إليه.

وبعد وقوع الغيبة الكبرى جاء الدور إلى الفقهاء، وإلى زماننا هذا، فالطواغيت تسعى أوّلاً إلى إغراء الفقهاء بالأموال والمناصب حتّى يتم شرائهم فلا يقفوا تجاه الطاغية، وإذا أبى الفقيه شراء الذمّة حاربوه واتهموه بل وقتلوه.

وهذا ما يجري الآن نفسه وبعينه وهو كما جرى سابقاً على الأئمة الأطهار وشيعتهم، لا يختلف في ذلك سوى الزمان والمكان والأشخاص، فكان مثلاً الإمام موسى الكاظم o مع هارون اللا رشيد ¬، وبعده الإمام علي الرضا o مع المأمون الخائن ¬، الأشخاص يختلفون ولكن المواقف واحدة والمحاربة نفسها.

الخلاصة:

إن المفسدين والظالمين سيحاربون ويُقاتلون الأنبياء والأوصياء ومن هم في هذا الخط، فإنَّ ما يجري الآن في العالم بأسره من هذا القبيل، فأمريكا التي تمثّل الآن محور الشر، والتي تحارب وتقتل كل من يقف عقبةً أمام مصالحهم ومطامعهم في العالم، وكذلك أذناب أمريكا –من الدول التي تعمل من أجل رضى أمريكا وكسب ودّها-فهم في الحقيقة يمثلون الطرف المحارب لله ولرسوله ولأوليائه.


[1] سورة البقرة الآية 91.

ليست هناك تعليقات: