الجمعة، يناير 28، 2011

هل سجد النبي (ص) على التراب ؟! (1)


مقدّمة:

كثيرةٌ هي الأمور التي ينشرها المخالفون لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويُريدون منها تشويه صورة المذهب ،وقد حاولوا تصوير المذهب الشيعي بكل الوسائل والطرق، ممّا دعاهم إلى التدليس والكذب وقول الزور من أجل الإنتصار لمذهبٍ على مذهب، وقد اعتاد أئمة المذهب الشيعي وفقهاءهم الرد بكل ما يتقوّله المخالف عليهم، والإستدلال على ما نذهبُ إليه من خلال كتب المخالفين لنا، حتّى تكونَ الحُجّة أبلغ، من الإقتصار على كتبنا فقط.
وفي هذه المرّة نتناول مسألة جزئية من مسائل الصلاة وما يصحّ السجود عليه، حيث أنّ المخالف يُشنّعُ على أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أنّهم يخصّصون سجودهم على التربة الحسينيّة أو الحصير وما شابه ذلك، في هذه الحلقة نوضّح بعض المسائل ونتبعها في حلقة ثانية إن شاء الله.

ما يصح السجود عليه في الصلاة:

ورد عن النبي الأكرم K أنّه قال: "  جُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً" [1]، وهي رواية متفق عليها بين السنة والشيعة.

ونستفيد من هذه الرواية أن الأرض هي محلٌّ السجود، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى وخضوعاً له. وأيضاً يمكننا التطهير بالأرض وهو التيمّم. وهذه من مختصات الشريعة الإسلاميّة، فإن الأديان السماوية الآخرى لم يُشرع لهم الصلاة في أي مكان، بل لا تكون الصلاةُ إلا في الكنائس والبِيع ودور العبادة الخاصة بهم، أما الشريعة الإسلاميّة فأينما أدركتك الصلاة يمكنك القيام بها.
ومن كلمة (الأرض) يعني به التراب والرمل والحجر والحصى ...

من روايات أهل السنّة والجماعة ما ورد:

1-           عن خالد الجهني قال: رأى النبي صهيباً يسجد كأنّه يتقي التراب فقال له النبي K: " تـرّب وجهك يا صهيب ". (كنز العمال 4 / 100 الرقم 2129).

2-           قال رسول الله K لمعاذ : " عفّر وجهك في التراب ". (ارشاد الساري 1 / 405).

3-           قال رسول الله Kلأبي ذر : " الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصلّ ". )سنن النسائي 2 / 32).

4-              قال رسول الله K : " إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض ". (أحكام القرآن / الجصّاص 3 / 209).

5-           عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : (كنّا) كنت أصلي مع رسول الله K الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتى أسجد عليها من شدّة الحر
تخريج الحديث:
مسند أحمد بن حنبل/ الحديث 14097.
مسند أحمد بن حنبل/ الحديث 14098.
سنن ابن داوود الحديث 399.

ومن هذه الرواية نفهم بأنّه لو كان السجود على الفرش جائزاً، لكان أولى من تبريد الحصى للسجود عليها، مع ملاحظة أن الفرش في ذلك الزمان كان موجوداً، فلا يقول قائل بأنه لم يكن متوفر كما هو الآن!

أما الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت q فهي كثيرة جداً، نذكر منها ما يلي:

1-           قال الإمام الصادق o: " لا تسجد إلاّ على الأرض أو ما انبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان ".

نهى الإمام عن السجود إلا على الأرض أو ما نبت من الأرض، وبعد ذلك استثنى القطن والكتّان باعتبار أن القُطن فهو من النباتات ويدخل في الكثير من الألبسة ، وهو منهيٌّ عنه في نصوص آخرى كما سيأتي.

وأمّا الكتّان [2] الذي يستفيدوا منه في الملابس فهو يرجع أصله إلى بذرة الكتّان، فهو ممّا أنبتته الأرض، فلا يصح السجود عليه.

2-           قال الإمام الصادق o: " السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنّة ".
معنى الحديث: أنّ الله * قد افترض على عباده في السجود أن يكون على الأرض، وأمّا الخُمْرَة فهي سنّة وهي من فعل النبي الأكرم K، والمُراد من الخمرة –كما عن ابن منظور في لسان العرب-قال:

" و الخُمرة: حصيرة أَو سَجَّادَةٌ صغيرة تنسج من سَعَفِ النخل وتُرَمَّلُ بالخيوط، وقيل: حصيرة أَصغر من المُصَلَّى، وقيل: الخُمرة: الحصير الصغير الذي يسجد عليه.

وفي الحديث: أَن النبيSكان يسجد على الخُمرة: وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه ينسج من السَّعَفِ؛ قال الزجاج: سميت خُمْرة لأَنها تستر الوجه من الأَرض.

وفي حديث أُم سلمة قال لها وهي حائض: ناوليني الخُمرة ؛ وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أَو نسيجة خوص ونحوه من النبات؛ قال: ولا تكون خمرة إِلاَّ في هذا المقدار، وسميت خمرة لأَن خيوطها مستورة بسعفها...". انتهى كلام ابن منظور.

ونعلمُ بأنّ السعف من النباتات ولكنّه ليس من الملبوس ولا المأكول، فيصحُّ السجودُ عليه، وفي نقل ابن منظور لبعض الشواهد يتبيّن أن النبي الأكرم K كان يسجدُ على الحصير وما شابه ذلك، وأنّ فعله حجّة على جميع المسلمين، وكما وضّحنا سابقاً أن الفرش والنسيج كان متداولاً في تلك الأزمان وليست بجديدة ومستحدثة حتى يُقال: بأنّ هذا خاص بزمن النبي الأكرم K.
3-           قال الإمام الصادق o: " السجود على ما انبتت الارض إلاّ ما أكل أو لبس".

فعل الرسول حجّة:

إن فعل الرسول الأكرم K حجّة، ويجب الإقتداء به، لأنّه صاحب الشريعة والممثّل لها، وقد اتضح بأنّ فعل النبي الأكرم K كان السجودُ على الأرض أو الخُمرة. فينتج عندنا وجوب السجود على هذه الأمور فقط، وأمّا غيرها فيحتاجُ إلى دليل ينصّ عليه، ويكون هذا الدليل لا يتعارض مع هذه النصوص.

العلّة في السجود:

عن هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد الله o: أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز ، قال:
(السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لُبس) ، فقال له : جعلت فداك -ما العلّة في ذلك؟
قال : (لأنّ السجود خضوع لله ! فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله !، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها) [3].
حديث آخر: عن الإمام الصادق o قال : (وكلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال ضرورة).


من مصادر الشيعة الإمامية: (الكافي / الكليني ج2 كتاب الايمان ـ باب الشرايع ح1 ص17 ، من لا يحضره الفقيه / الصدوق 1 / 231).
[2] يمكنكم الرجوع إلى الموسوعة الحرة ويكيبيديا لمعرفة المزيد عن هذه النبتة: http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D9%86
[3] وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي: ج 5 ص 343 من باب لا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على الارض أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس.

ليست هناك تعليقات: