الأحد، فبراير 27، 2011

هل رأى موسى ربَّه؟ وهل طلِب موسى من الله رؤيته؟ العدد (1)


بقلم: أبو روح الله المنامي البحراني.



مقدّمة:

حاول القائلون بإمكان رؤية الله ! الاستفادة من حادثة قوم موسى o وطلبهم لرؤية الله والاستدلال بها على عقيدتهم، فقالوا: أنَّ نبي الله موسى o قد طلب من لله ! أن يراه وقومه، فلو كانت الرؤية غير ممكن، فكيف بالنبي موسى o أن يطلب أمراً مستحيلاً؟! فهذا دليل على أنّ الرؤية ممكنة.
فنقول في بيان هذه الحادثة ما يلي:

النقطة الأولى: هل رؤية الله ممكن أو لا؟

النقطة الثانية: هل طلب النبي موسى من الله رؤيته أو لا؟


الكلام في النقطة الأولى:


يمكن تصوير استدلال القائلين بإمكان الرؤية لله بالقياس التالي:

     -   إن الله موجود. (الصغرى للقياس).
     -   وكل ما هو موجودٌ فهو قابل للرؤية. (الكبرى للقياس).
     -   إذاً الله قابل للرؤية. (نتيجة القياس).

لا إشكال في صغرى القياس، وإنما الإشكال والكلامُ في الكبرى؛ وهي أن كل موجودٍ فهو قابل للرؤية، فلابد أن نبحث في صحّتها، من هنا نبحث في مقدّمة مهمّة في هذا المقام، وهي ترتبطُ بأنواع الموجودات في هذا العالم، وهي كالتالي:
  
    1-  الموجودات الماديّة: وهي الموجودات التي تشغل حيّز ولها خصوصيات المادة من الوزن والطول والعرض والارتفاع، وتكون خاضعة للزمان والمكان وتكون مركّبة من أجزاء، وغيرها من الخصوصيات التي يذكرها الفلاسفة تارةً وعلماء الفيزياء تارةً آخرى.

     2-  الموجودات المجرّدة (البسيطة): وهي الموجودات التي لا تكون لها مواصفات وخصائص الماديّة، بل تكون بسيطة، كالنفس والروح والعقل والملاك، وهذه الموجودات تختلف اختلافاً كبيراً عن القسم الأوّل.

وبيان الفرق بين القسمين يكشف لنا الكثير من التساؤلات و الفُروقات بين عالم المادة وعالم المثال أو بين عالم المادة وعالم العقل، وإن شاء الله سنتناول بعض هذه الفروقات في موضوع آخر.

بعد هذه المقدّمة الموجزة، لنا أن نسأل سؤالاً؛ الله * يكون من أيِّ القسمين؟
فهل هو من الماديات أو من المجردات؟ فإذا قلنا بأنّه من هذا القسم، كان ممكن للرؤية، وتجري عليه سائر أحكام المادّة، وهذا فاسد لأمور منها:

الأول: أنّه لن يكون غنيّاً مطلقاً، بل محتاجٌ وفقير.

بيان الملازمة:

إذا كان الله مادّياً لزم منه أن يكون الله مركّباً من أجزاء.
والمركّب من أجزاء يحتاجُ إلى أجزائه المركّب منها.
والله سبحانه وتعالى هو الغني الذي لا يحتاج إلى أي شيء. فالغنى المطلق يُنافي الاحتياج، فيبقى محتاجاً لأجزائه، وهو فاسد البطلان.

الثاني: أنّه يكون في مكانٍ محدّد، وهو فاسد وباطل بصريح القرآن الكريم الذي قال: {وهو معكم أينما كنتم} [1]، {وهو أقربُ إليك من حبل الوريد}[2] وغيرها من الآيات التي تبيّن وتنصّ على أنّه قريب منّا، بل وأقرب إلينا من حبل الوريد، فكيف يمكن الجمع بينها وبين القول بأنّه جالسٌ في السماوات على عرشه ؟!
وإذا كان في مكانٍ محدّد يلزم منه أن يكون في مكانٍ دون مكانِ، فإذا كان في السماء فهو ليس في الأرض، وإذا كان في المشرق فهو ليس في المغرب وهكذا.

وأمّا القائلين بأنّه فوق السماوات والأرض واستشهدوا ببعض الآيات القرآنية، فإنهم اعتقدوا بأنّه جسمٌ مادي كبير وهو محيط بجميع العوالم، ولا يمكن أن تسعه الأرض ليكون معنا، وهذا أيضاً فاسد لأنّه يعتقدون بأنّه الكرة الأرضية مسطّحة وليست كرويّة، فإن العلو والارتفاع أمر نسبي.

وإن إعتقاده بأنّ الله سبحانه وتعالى جسماً قد أوقعه في الكثير من الشبهات في فهم القرآن الكريم.

بعد هذا البيان يتّضح أنّه لا شكَّ ولا ريب بأنّه * من المُجردات المحضة البسيطة. فإذا كان كذلك، كيف يمكن رؤية الموجود المجرّد؟!

نعم، إن المجسّمة قالوا بأنّ الله ! يجوز رؤيته لاعتقادهم بأنّه جسمٌ، ولكن الغريب أنَّ بعض الأشاعرة قالوا بجواز الرؤية مع أنّه موجودٌ مجرّد، ولهذا عبّر العلامة الحلِّيّ في كشف المُراد:
 "و الأشاعرة خالفوا العقلاء كافّة هنا، وزعموا أنّه تعالى مع تجرّده تصح رؤيته" [3].

أيّ أنّ كيف يكون الله * موجوداً مجرّداً ، ومع ذلك يمكن أن يُرى؟

تبيّن من هذا السؤال (هل رؤية الله ممكن أو لا؟) أنّ الله لا يمكن رؤيته، بل مستحيلة. ومن قال بأنّه يُرى عليه أن يلتزم بجميع لوازم الرؤية والجسمية.

فإنّ الرؤية تقع على الأجسام بشروط معيّنة من قبيل:
1-           أن يكون المرئي مادّيّاً ومحفوف بأحكام المادّة؛ من طولٍ وعرض وهيئة.
2-           أن لا يكون هناك حجاباً بين الطرفين (الرائي والمرئي).
3-           أن يوجد نور ليصطدم بالجسم، حتّى يمكن رؤيته.
4-           أن يكون المرئي له لون.
5-           عدم القُرب المفرط والبُعد المفرط.

إلى حلقة ثانية في بيان (هل طلب نبي الله موسى من ربّه الرؤية؟)، نتناولها في حلقة مستقلة إن شاء الله.


[1] سورة الحديد الآية4.
[2] سورة ق الآية16.
[3] كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد للعلامة الحلّي: المقصد الثالث/ الفصل الثاني/ المسألة العشرون ص46. بتعليق آية الله المحقق الشيخ جعفر السُبحاني .

ليست هناك تعليقات: