السبت، فبراير 05، 2011

لماذا رفض عليٌّ تنصيب عمّه العبّاس ؟!



بقلم: أبو روح الله المنامي البحراني

ذكر بعضُ المؤرّخين أنَّ العبّاس بن عبد المطّلب قال لعليّ o: أُمدد يدك أبايعكَ يبايعك النّاس (1)، ويُذكر أنّ هذه الكلمة قالها لمّا كانوا يُغسّلون النّبيّ الأكرم K، وقبل حصول البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، ولكنّ أمير المؤمنين o رفض هذه البيعة.

فقد يقولُ قائلٌ بأنَّ أمير المؤمنين o غيرُ مصيب في رأيه، ولو أنّه رضي بتنصيب عمّه العبّاس لكفى المسلمين من النزاع في تنصيب الخليفة، لكنّنا نقولُ: بأنّ أمير المؤمنين o هو المحقُّ، لما سنبيّنه في هذا المختصر.
وفي نقلٍ ثانٍ: " يا ابن أخي هلُمَّ لأبايعكَ فلا يختلف عليك اثنان " (2).

و رواية ثالثة : أنّ العبّاس عاتب عليّاً بعد ذلك وقال له: "فلمّا قُبِضَ رسولُ الله K أتانا أبو سُفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى أن نبايعك، وقلتُ لك: أُبسط يدك أبايعك ويبايعك هذا الشيخ، فإنّا إن بايعناك لم يختلف عليك أحدٌ من بني عبد مناف، وإن بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك قُرشي، وإذا بايعتك قُريش لم يختلف عليك أحدٌ من العرب، فقلتَ:  لنا بجهاز رسول الله شُغلٌ " (3).

ورواية رابعةٌ عن الطبري: " وأشرتُ عليك بعد وفاة رسول الله K أن تُعاجل بالأمر فأبيت " (4).

هذه بعض ما ذكره الأعلام بشأن هذا الموقف بين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وعمّه العبّاس بن عبد المطّلبp.

وقد تُثار حول هذه الحادثة العديد من التساؤلات والشُبُهات، فنذكر أمرين تباعاً:
قال البعضُ: بأن هذه الحادثة خير دليل على عدم وجود النصّ على خلافة علي ابن أبي طالبo، فلو كان النصّ موجوداً، فلا يحتاجُ الأمر إلى مبايعة العبّاس لأمير المؤمنين.

الجواب: إن هذه الحادثة لا تكشف عن فقدان النصّ على إمامة وخلافة عليo، فإنّ شأنها شأن طلب الرسول Kالبيعة من أصحابه في الحديبية، فإنّ طلب النبي Kالبيعة منهم لم تكن الغاية أخذ الاعتراف منهم بنبوّته، وإنما كان القصد أخذ العهد منهم لنصرته.

وكذلك بيعة العقبة وبيعة الشجرة، فإنّ مجرّد المبايعة بين النبي والمسلمين لا يعني ذلك بأنّ نبوّته الآن تمّت، أو أنّه الآن صار نبيّاً، فلا يقول بذلك مسلم عاقل، بل هو نبيٌّ ، سواء آمن به أهلُ السماوات والأرضين أو لم يؤمنوا به. فكذلك إمامة علي ابن أبي طالبo.

ولو كان النص على خلافة علي مفقوداً في المقام لأمكن أن يدّعيها العبّاس نفسه أو أحدٌ من أهل بيته، ولكن نجد أنّ العبّاس كان متيقّناً بأنّ بني هاشم لا يعترضون على هذه البيعة، وأنّ قُريش تُسلّم وترضى بهذه البيعة، فكأنّما الأمر مسلّمٌ لعليٍّ من دون أي منازعٍ له في ذلك.

فهذا القول باطل، ويكفي أنّ نرجع إلى النصوص الواضحة في إمامة أمير المؤمنين ، فهي كالشمس في رابعة النهار.

قولٌ آخر: لماذا رفض عليٌّ oهذه المبايعة من عمّه العبّاس أو منه وأبي سُفيان؟ فلو رضي بالبيعة لأنهى الخلاف بين المسلمين، ولا يتنازع أحدٌ في هذا الأمر أبداً !
نقول: من الذي قال بأنَّه لا يحصل أي خلافٍ أو نزاع في هذا التنصيب؟!

 لا ، لا يمكن الجزم بهذا أبداً، فإنّ المهاجرين من جهة والأنصار من جهة آخرى، تتنازع في هذا الأمر ولن يقبلوا بهذه البيعة، وسيكون الكلام فيها كما نقوله في بيعة أبي بكر، وأنّها فلتة من فلتات الجاهليّة، و لكان رأي واحدٍ من المسلمين يتحكّمُ في مصير المسلمين أجمع، وهو ما نقوله في بيعة أبي بكر بعينه، فكيف نُعيب الآخرين بشيءٍ ثم نرضى بأنفسنا أن نركب هذا العيب؟!

والأمر الآخر: لقد أوضح أمير المؤمنين o في رواية مروج الذهب بأنّه مشغولٌ بجنازة رسول الله Kوتجهيزه، ولا يليق بشأنه أن ينشغل بأمر الخلافة والإمامة والمنازعة فيها من فلانٍ وفلان.

و كذلك يرفض أمير المؤمنينoأن تنعقد له البيعة في البيت بمبادرة جماعة من أهله دون أن يكون ذلك في ملأ من المسلمين وبرضى عامّتهم، وفي نقلٍ قد قال إلى عمّه: فإنّي لا أحبُّ هذا الأمر من وراء رتاج، وإنما أُريدُ أن اصْحرَ به. أي يكون على الملأ العام.

فكما أنّهم قد بايعوه بإمرة المؤمنين في غدير خم، وكانوا على مسمعٍ ومرئى فكذلك اليوم.


(1) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج2 ص38.
(2) مُروج الذهب: ج2 ص 200، وتاريخ الذهبي: ج1 ص 329، وفي الإمامة والسياسة لابن قُتيبة: ج1 ص4: ( أبسط يدك أبايعك فيقال: عمُّ رسول الله بايع ابن عم رسول الله، ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لا يُقَلْ ).
(3) رواها ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج1 ص 131 عن كتاب (السقيفة).
(4) تاريخ الطبري: ج3 ص 294، والعقد الفريد: ج3 ص74.

هناك تعليقان (2):

ابو محمد يقول...

معلومات قيمة نطمح للمزيد منها وامثالها في بطون الكثب كثير نفتقد الوقت والعلم الكافي للوصول اليها ولكن نتمنى منكم انتم اهل الاختصاص بثها لنا مبسطة رائعة كهذا المقال ودمتم بخير .

الشيخ حسن القصاب يقول...

لك الشكر متواصلاً أخي الكريم على تعليقكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لخدمة الإسلام المحمدي الأصيل.
ونرجو دعائكم عند قبر النبي الأكرم وأئمة البقيع (عليهم السلام).