الثلاثاء، أبريل 12، 2011

كيف يطّلع المؤمنون على أعمال الخلق؟


الكاتب: أبو روح الله المنامي البحراني.

لقد تناولنا في مقالٍ سابق تفسير الآية المباركة ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وتكلّمنا في كيفية إطلاع الله (سبحانه وتعالى) على أعمال الخلق وكذلك بالنسبة إلى الرسول. وقد بقي في المقال تفسير كيفية إطلاع المؤمنين على الأعمال، ومن هم هؤلاء المؤمنون التي ورد ذكرها في الآية الشريفة.

فإلى تتمّة البحث:


النقطة الثالثة: من هم المؤمنون؟

بعدَ مُراجعة المصادر التفسيرية لمدرسة الخلفاء، لم نجد تفسيراً واضحاً للمقصود بالمؤمنين في الآية المباركة، قد حاول البعض أن يُفسِّر الآية بإطلاع الله ورسوله والمؤمنين أعمال الخلق في يوم القيامة. في حين أنّ هذا التفسير بعيداً جداً عن مضمون الآية المباركة، فإن شأن يوم القيامة لا يقتصر الإطلاع على الله والرسول والمؤمنين فحسب، بل في ذلك اليوم جميعُ الخلق ينظرون ويطّلعون على أعمال بعضهم البعض {يوم تُبلى السرائر} [1]، فليس ثمّة خصوصيّة للمؤمنين في المقام.

هو خلافُ الآية المباركة، فإنها تجعل خصوصيّة وميزة وشأن للمؤمنين؛ بأنّهم يرون أعمال العاملين. فلابد أن يكون المُرادُ من المؤمنين صنفٌ محدّد من الخلق، وليس كل الخلق يطّلع على الكل. وهذا باطل بالوجدان، ولا يمكن حمله على يوم القيامة لحصول هذه الرؤية قهراً في تلك النشأة.
وهذا –أي أن المؤمنين صنفٌ من الخلق-ورد في روايات أهل بيت العصمة والطهارة q بشكل جليّ وواضح، بل وبشكل متواتر.
1.      عن الكافي الشريف للشيخ الكليني ¥ عن مولانا الإمام الصادق o قال: تُعرض الأعمال على رسول اللهK–أعمال العِباد-كل صباح، أبرارها وفُجّارها، فاحذروها، وهو قول الله !:{اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله} وسكت[2].
وقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ إلى أبي بصير، وأضاف أبو بصير: إنما عنى الأئمة [3]
2.      وعن الشيخ الكليني ¥ عن يحيى بن مساور عن أبي جعفر o أنه ذكر هذه الآية {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ، قال: هو واللهِ علي بن أبي طالب [4]
3.      وعن الكليني أيضاً عن يعقوب بن شُعيب قال: سألتُ أبا عبد الله o عن قول الله !:{قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، قال: هم الأئمة [5].
4.      وعن الشيخ الكليني أيضاً عن عبد الله بن أبان الزيّات-وكان مكيناً عند الرضا o–قال: قلتُ للرضا o: ادعُ الله لي لأهل بيتي. فقال: أولستُ أفعل، واللهِ إنَّ أعمالكم لتُعرض عليَّ في كل يوم وليلة، قال: فاستعظمتُ ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله !{اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} –قال-هو واللهِ علي بن أبي طالب[6].
5.      وعن الصفّار ¥ بسنده إلى بُريد العِجلي، قال: قلتُ لأبي جعفر o:{وقل اعملوا فسيرى الله ورسوله والمؤمنون}، قال: ما مِن مؤمنٍ يموت ولا كافر فيُوضع في قبره حتّى يُعرض عمله على رسول الله K وعلى عليٍّ o فهلّم جرّاً إلى آخر من فرض الله طاعته على العِباد.
في هذه الرواية دلالة على أنّ جميع الأئمة يطّلعون على الأعمال، ففي كلِّ زمانٍ يطّلع إمام الزمان على كافة الأعمال. فهذه الآية لها مصداق من المؤمنين إلى قيام يوم الساعة.
6.      وعن الصفّار ¥ بسنده إلى محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر o قال: سألته عن الأعمال، هل تُعرض الأعمال على رسول الله K؟ قال: ما فيه شكٌّ، قيل: أرأيتَ قول الله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، فقال: لله شُهداء في أرضه.
وفيها دلالة واضحة على رؤية الأعمال، فإطلاق (شُهداء) في المقام بمعنى يشهدون الأعمال ويرونها.
وغيرها من الروايات الشريفة الواردة في المقام، للمزيد يمكنكم الرجوع إلى تفسير البرهان للعلامة المحدّث السيد هاشم التوبلاني البحراني ¥ فقد جمع الروايات من شتّى المصادر الحديثيّة.
ولا يشترط أن تكون جميع الروايات صحيحة، فإنّها بكثرتها تعاضد بعضها بعضاً، ويُطمئن بصدور البعض منها وهذا المقدار كافٍ في المقام.

تُعرض الأعمال لدى إمام الزمان:

من خلال بعض الروايات يمكن أن استفادة كون الأعمال تُعرض على الرسول والإمام الماضي وكذلك الإمام الحاضر في ذلك الزمان، كما جاء عن الإمام الرضا o حينما قال لعبد الله بن أبان الزيّات: ادعُ الله لي ولأهل بيتي، فأجابه الإمام o بأنّني أفعل ذلك، وإن أعمالكم تُعرض عليَّ في كل يومٍ وليلة أو في رواية آخرى في كل خميس.
بالنسبة إلى الرسول والإمام الذي قد مضى فهم في عالم البرزخ، وإمكان الإطلاع على العمل واضح، فهم في عالم مجرّد وليس بمادّي.
وأمّا في هذا الزمان فهي تُعرض على الإمام المهدي المنتظر s، فكل حوادث العالم والكون هي تحت نظره وبعينه.

كيف يمكن تصوير هذا الإطلاع؟

قد يصعب علينا تصوّر هذا الأمر لأنّنا أنسنا بالعالم المادّي، ولكن بالنسبة إلى من ألِف عالم المجردات واطّلع على بعض أسراره، فيمكنه أن يتصوّر الأمر، وقد جاءت رواية رواها الكليني عن جميل بن درّاج أنّه قال: لا تتكلموا في الإمام ... فإذا قام بالأمر-أي تولّى أمر الإمامة-رُفعَ له في كلِّ بلدةٍ منارٌ من نور، يَنظر منه إلى أعمال العِباد.
وكلام جميل بن درّاج –بعد معرفة قدره ومنزلته عند الأئمة-وهو ينقل عن الإمام المعصوم في هذا الشأن، وواضحٌ من كلامه بأنّ هذا المنار من نور وهو كناية عن الأمر المعنوي وليس مادّي محسوس يمكن أن يراه الناس.
وأيضاً روى الكليني عن محمّد بن عيسى بن عُبيد، قال: كنتُ أنا وابن فضّال جُلوساً إذ أقبل يُونس، فقال: دخلتُ على أبي الحسن الرضا o فقلت له: جُعلتُ فداك، قد أكثر الناس في العَمودِ، قال: فقال لي: يا يونس، ما تراه؟ أتراه عموداً من حديدٍ يُرفع لصاحبك؟ قال: قلتُ: ما أدري، قالo: لكنّه ملك موكّل بكل بلدةٍ برفع الله به أعمال تلك البلدة.
قال: فقام ابن فضّال فقبّل رأسه، فقال: رحمك الله يا أبا محمّد، لا تزال تجيء بالحديث الحق الذي يُفرّج الله به عنّا [7].
فقد فسّره الإمام الرضا o في هذه الرواية بالملك الموكّل، ونعلم بأنّ الملك الموكّل هو من جنس المجرّدات فهو ليس بمادّي.

تقريبُ المعنى:

قد يكون هذا الأمر في ذلك الزمان غريباً ومستبعداً، بل قد ينسبوا للقائل بهذا القول الغلو في الأئمة، وأنّهم يعلمون الغيب وما شابه ذلك من التُهم والشبهات، ولكن يمكن تقريب هذا المعنى في زماننا الحاضر بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت، فبإمكان أي شخص أن يتعرّض على أحوال أمّة بأسرها من خلال تقارير تُرفع إليه وهو جالسٌ في بيته على جهازه، وهذا ما تفعله بعض الاستخبارات العالميّة من التجسّس على دولةٍ مثلاً أو على حزبٍ معارض لهم، وكالأقمار الصناعيّة المتخصّصة بالتجسّس أيضاً، أو مشاهدة التلفاز التي تعرض لك الأحداث التي تحصل في أقصى الأرض وأدناه، من خلال شاشة صغيرةٍ، وهذا من قبيل تصوير المعنى، وإلا فإنّ معرفة الإمام المعصوم أجلُّ وأرفع من هذه المعرفة البشريّة الناقصة ولكن المثال لتقريب المعنى لا أكثر ولا أقل.


[1] سورة الطارق الآية 9.
[2] تفسير البرهان للمحدّث السيد هاشم البحراني: ج3 ص 488 نقلاً عن أصول الكافي.
[3] معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص392 الحديث 37.
[4] الكافي الشريف: ج1 ص 171 الحديث 5.
[5] المصدر السابق.
[6] الكافي الشريف: ج1 ص171 الحديث 4.
[7] الكافي الشريف: ج1 ص 319 الحديث 7.

ليست هناك تعليقات: